فريضة الحج .. فوائد لحياتنا

بقلم خالد حسن

"‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ "

صدق الله العظيم

احتفل مؤخرا أكثر من 5 ملايين مسلم بأداء مناسك فريضة الحج ، وأحمد الله على أنني كنت واحدا منهم هذا العام  ، إذ يمثل الحج أحد أركان الإسلام الخمسة وهو فرض على كل مسلم تتوافر لديه القدرة البدنية والمادية على أدائه مرة واحدة في العمر ويعد "الحج" عبادة من أجل العبادات وأفضلها عند رب العالمين بعد الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله‏, ‏ وذلك لما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُئل‏:‏ أي الأعمال أفضل؟ قال‏:" ‏إيمان بالله ورسوله‏,‏ قيل‏:‏ ثم ماذا؟ قال ‏: ‏ثم جهاد في سبيل الله‏,‏ قيل‏:‏ ثم ماذا؟ قال‏: ‏ثم حج مبرور‏ ".

ولعل من أهم فوائد "فريضة  الحج " أنها تعلم الإنسان الامتثال الكامل لأوامر خالقه ، بدون إعمال العقل ، بداية من الطواف حول الكعبة المشرفة وتقبيل الحجر الأسود ، إذا تمكن من ذلك ،  مرورا بالسعي بين جبلي " الصفا والمروة " وصولا ليوم عرفة ، والجلوس بجوار جبل الرحمة ، ثم رجم الشيطان الرجيم بالجمار في منى والملاحظ أن كل هذه الأعمال هي تقليد لما قامت به أسرة سيدنا إبراهيم وزوجته هاجر "المصرية " وابنه إسماعيل ومن ثمة فإن ترويض النفس ، المتمردة دائما ، على تنفيذ أوامر رب العرش وهو جوهر العبادة لفريضة الحج .

كما أن من فوائد شعيرة " الحج" ، بالإضافة لكونه طاعة للأمر الإلهي ، تعريض كل مسلم" بالغ‏ ، عاقل‏ ،  حر‏ ومستطيع‏ ذكراً كان أو أنثى‏ "‏ ولو لمرة واحدة في العمر لبركة أشرف بقاع الأرض‏ " الحرم المكي الشريف‏ " في بركة أشرف أيام السنة ‏"الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة‏ " الأمر الذي يتطلب معه أن تؤدي الطاعة على أساس من الطمأنينة العقلية والقلبية الكاملة وإتقان أفضل‏ وأن يكون سلوكه في أدائها أنبل وأجمل‏ خاصة أن من مآسي عصرنا الجلية‏‏ ظاهرة المفاضلة بين العبادة والسلوك، مما يُفقد العبادة دورها في ترقيق القلوب‏، وتهذيب النفس ، وضبط السلوك‏ وزيادة الإحساس بمعية الله وهذا أشد ما يحتاج إليه المسلمون كثيرا في الوقت الحالي‏ ويظهر ذلك أكثر ما يظهر أثناء أداء "فريضة الحج‏ " وذلك لشدة الزحام‏ ولمحدودية كلٍ من الوقت والمكان‏ ولكثرة التكاليف الشرعية في هذه الفترة المحدودة ولجهل القطاع الغالب من الناس بحقيقة هذه العبادة والحكمة من أدائها‏,‏ ولكن إذا فُهمت الحكمة من أداء هذه الفريضة العظيمة أدَّاها العبد أحسن الأداء وأكمله‏ وأعان غيره من إخوانه على حسن أدائها‏ وذلك بحسن الفهم‏,‏ والالتزام بالنظم‏,‏ والإيثار على النفس، تقرباً إلى الله ـ تعالى ـ وتضرعاً‏,‏ وحباً في عون عباد الله والمبادرة إلى نجدتهم‏,‏ واعتبار ذلك من تمام أداء هذه العبادة.

كذلك من أهم المزايا التي تدركها أثنا "فريضة الحج" أنه يمكن خلال هذا المؤتمر السنوي الإسلامي ، والأكبر في تاريخ البشرية ، وعن طريق كلمة واحدة السيطرة على أكثر من 3 ملايين مسلم بل وتنظيمهم في صفوف ، وهو ما يستحيل حدوثه في أي مكان آخر ، وذلك خلال أداء الصلوات والتعبد في المسجد الحرام مما يؤكد أن هناك الكثير من العناصر القوية الراسخة  التي تجمع بين أكثر من 1.5 مليار مسلم حول العالم ويمكن البناء على العناصر لتحقيق تعاون وتكامل ونهضة للشعوب الإسلامية إذا أردنا ذلك إذ تتلاشى في نور الإسلام العظيم كل فوارق العرق‏،‏ واللون‏ ، واللغة والوطن‏,‏ ويتجسد معنى الأخوة الإسلامية في الله ولله وهو من أعظم عناصر القوة في زمن التكتلات الذي نعيشه ‏.‏

من المهم أيضا الإشارة إلى الجهود التنظيمية الجبارة التي تقوم بها السلطات السعودية لاستقبال هذه الأعداد الغفيرة من حجاج بيت الله الحرام وقيامها باستكمال التوسعات في الحرم المكي وإعلانها عن التوسعات في المسجد النبوي بالمدينة إلا أن هذا لا يمنع من حدوث بعض السلبيات مثل ظاهرة " افتراش " الحجيج غير الرسميين للطرقات ، والتي كانت اختفت منذ 4 سنوات تقريبا ،وخاصة في "منى والمزدلفة وحول المسجد الحرام " مما يؤدي إلى صعوبات بالغة في حركة الحجاج ويؤثر سلبيا على مستوى الخدمات المقدمة لجميع حجاج البيت الحرام وهناك نطالب السلطات السعودية بمزيد من الرقابة على الحجاج غير الحاصلين على تصريح بأداء فريضة الحج من خلال منح الحجاج شريحة إلكترونية لا يسمح بدونها الدخول إلى عرفة أو منى والمزدلفة .

في اعتقادي أن التجارة من أهم المنافع والفوائد التي تتضمنها فريضة الحج ولكن ما يجب أن نتوقف عنده أن المتابع لمراكز ومحلات التسوق من خلال العاملين في هذه الأماكن يؤكدون أن الحاج المصري هو الأكثر إنفاقا من جميع الجنسيات الأخرى خلال موسم الحج وقدر البعض أن متوسط إنفاق الحاج المصري ، بين أكل وشرب وهدايا ومقتنيات ، بنحو 4 آلاف جنيه أي ما يعادل 3.5 مليار جنيه وهو مبلغ لا يستهان به خاصة في ظل الظروف الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصري وكان الأولى أن يتم ضخ محليا لتشغيل الآلاف من أبنائنا أو من خلال عمل قرية للبضائع في أرض المطار تتيح للحاج شراء كل احتياجاتها بنفس مستوى أسعارها في مكة المكرمة والمدينة المشرفة ، وربما أسعار أقل لكونها معظمها سلع صينية الصنع ، ونأمل أن يتحقق ذلك خلال الموسم القادم .

في تصوري الانضباط المطلق في أداء موظفي شركة " مصر للطيران " وانطلاق الرحلات في مواعيدها المحددة خلال موسم الحج السياحي هو إنجاز وطني يستحق الإشادة والتشجيع على استمراره بنفس الحماس والقوة لتقديم الخدمات لحجاج القرعة وكذلك كل رحلات "مصر للطيران " في المستقبل حتى نمحو من ذهن المسافر استهتار " مصر للطيران " بمواعيد إطلاق رحلاتها الجوية لنحو ساعة على الأقل في أي رحلة . 

وبالتأكيد فإن المنافع من وراء فريضة الحج يصعب حصرها لو أحسن المسلمون الاستفادة من هذه العبادة السنوية وأدعو الله ألا يحرمنا من زيارة بيته الحرام في المستقبل وأختم بقول ربنا في كتابه العزيز 

" وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاًوَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ‏.‏ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاًوَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ .‏ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ .‏ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ .‏ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ‏"   

صدق الله العظيم

• §       مجرد تساؤلات
• §       الحج المبرور .. لا أعرف كيف يوافق بعض الحجاج على أداء فريضة الحج عبر وسائل من التحايل والغش ؟ إذ كشفت القنصلية المصرية عن ترحيل المواطنين المصريين المخالفين لمدد تأشيرات الحج والعمرة مؤكدة أنه من خلال إعداد قوائم الترحيل  فإن أعدادا غير قليلة من المخالفين هم من المواطنين الذين اعتادوا القيام بهذا سنويا ، بل وسبق للقنصلية ترحيلهم هم أنفسهم إلى مصر أكثر من مرة على مدار السنوات الماضية كما تم ضبط حالات قامت فيها شركات سياحة مصرية  بتيسير مخالفة المعتمر لتأشيرة العمرة والبقاء حتى موسم الحج مقابل تقاضيها رسوما مضاعفة منه .
• الحج السياحي .. من المهم إعادة نظم الرقابة الصارمة على غالبية شركات السياحة التي تقدم خدمات الحج نظرا للدور السلبي الذي تقوم به هذه الشركات في تقديم هذه الفريضة للمواطنين والذين يقعون فريسة لاستغلال هذه الشركات وعدم التزامها ببنود الاتفاق الذي تم مع المواطنين ناهيك عن المعاملة غير الاحترافية من جانب ممثلي هذه الشركات . نؤكد ضرورة استمرار الحكومة  ، عبر وزارة الداخلية ، في تنظيم خدمات الحج لضمان الحد الأدنى من التواجد الحكومي في تقديم هذه الخدمة حتى يتم إرساء قواعد المنافسة والاحترام لحقوق الحاج المصري من قبل شركات السياحة ومعرفة كيف تتم محاسبة ومعاقبة شركة السياحة التي تخل ببنود الاتفاق مع المواطن ؟ .

 الدور الحكومي .. نعلم أن هناك عجزا ماليا كبيرا في ميزانية الحكومة ولكن ما يتردد من نقل عبء هذا العجز إلى المواطن من خلال رفع أسعار خدمات الكهرباء والمياه وكذلك فرض مزيد من الضرائب هو أمر سخيف ويشعرنا بفشل حكومي في مواجهة هذه الأزمة فبدلا من التخفيف من الأعباء المالية على المواطن وارتفاع الأسعار للمواد الغذائية وتراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وتزايد البطالة وندرة فرص العمل  نجدها تزيد الطين بله ! أين الحلول الابتكارية لإطلاق مشروعات قومية جديدة قادرة على تحقيق فرص عمل جديدة وزيادة حقيقية في الإنتاج القومي ؟ لماذا الإصرار على الاقتراض من أجل دفع الزيادة في رواتب موظفي الحكومة وكان الشعب عليه أن يستدين لصالح موظفي الحكومة ؟ .