النمو العضوي والنمو الاستحواذي للشركات والدول والمجتمعات " 2- 2 "

اقرأ لهؤلاء

التكنولوجيا .. وثورة في العلاج الذاتي
لا شك أن التكنولوجيا الحديثة باتت تلعب دورا استراتجيا في تطوير الخدمات الصحية العالمية بصورة تشكل قفزات نوعية كبيرة بداية من الأبحاث المتعلقة بتطوير
	تكنولوجيا محاربة الفساد  .. وصبر الشعب
التعلم خطوة خطوة في ممارسة الديمقراطية هو أحد أهم مكتسبات الشعب المصري خلال السنوات الستة الماضية لاسيما بعد أن نجح
الشباب .. واستراتيجية قومية للإبداع
يدرك الجميع أن مصر واحدة من الدول التي وهبها الله قوة بشرية لا يستهان بها ، إذ إن 60 % من السكان في عمر الشباب أقل من 25 عاما
تحديد حقوق وواجبات الروبوتات
كما يقال، لا قيمة لشيء بدون إثبات وتوثيق ورقي، وفي خضم الضجة العالمية حول النتائج المحتملة لدخولنا ثورة صناعية من نوع جديد، يقودها
الأمن الفضائي .. والتنسيق العربي المطلوب " 1- 3 "
يشكل الأمن والاستقرار، وحماية حقوق الملكية الفكرية أحد أهم متطلبات عملية التنمية الاقتصادية وإقناع المستثمرين

أصدقاؤك يفضلون:

النمو العضوي والنمو الاستحواذي للشركات والدول والمجتمعات " 2- 2 "

• بقلم : أشرف عثمان

تحدثنا عن النمو الاستحواذي في المقام الأول كحل سريع لتعويض النقص في الكفاءات المحلية للشركات وتحقيق النمو في العائدات والأرباح، وكيف أن إحدى الشركات كانت تخترع وتصنع كل شيء لدرجة أنها كانت تطلق على القطع التي لم تخترع في الشركة لفظ not invented here و كأنها نقيصة يتمنون أن لم تحدث.

كذلك تحدثنا عن وجوب إدماج واندماج الوحدة المستحوذة في المنظومة الأساسية ، وإلا أصبحت جسماً غريباً يؤدي دوراً محدداً دون ابتكار وإبداع، بل و يحتاج إلى دعم دائم حتى لا يطرد من جسم المنظومة ، مثله مثل العضو المزروع في الجسم والذي يفرض أخذ دواء دائم حتى لا يطرده الجسم المزروع فيه.
في حالة النمو العضوي لا تحدث عملية الطرد بسبب نمو الجديد من القديم، ويحضرني هنا مصطلحي evolution & revolution أو التطور مقابل الثورة، حيث النمو العضوي هو تطور بينما الاستحواذي هو نوع من الثورات التي تدخل مفاهيم ومستحدثات فجائية وفورية على المنظومة الأساسية.
من العدل والإنصاف أن نذكر أن النمو الاستحواذي يأتي بأفكار جديدة تتحدى بعض المفاهيم القديمة في المنظومة الأصلية، الأمر الذي يصعب في بعض الأحيان في النمو العضوي عملاً بمقولة " زامر الحي لا يطرب".

الآن لو نظرنا إلى الدول والمجتمعات نرى أمثلة كثيرة على النمو العضوي والاستحواذي في بلاد العالم القديم والجديد بدرجات نجاح متفاوتة. فأمريكا بدأت مسيرتها بغزو متكامل الأركان لقارة كبيرة أتاها المهاجرون بأحلامهم وأطماعهم وكبرت ونمت بالهجرة (استحواذ على المهارات من العالم القديم) إلى أن وصلت إلى كتلة حرجة من البشر استطاعت أن تنتج ما تحتاجه الدولة من مهارات عن طريق التعليم ووضع القوانين التي تتيح حرية الإبداع والعمل الخاص والنظم الضريبية وحرية انتقال الأموال ... الخ.
كذلك كانت رحلة الدمج والاندماج مصحوبة بالمصاعب والعنصرية البغيضة، بل وما زلنا نرى هذه العنصرية فيما يحدث الآن من شقاق وانشقاق بين الأمريكيين مع تولي ترامپ الذي أظهر نجاحه أن الاندماج لم يتم بالصورة الكلية التي نجحت اكثر في كندا واستراليا على سبيل المثال.

لو أتينا إلى مصر سنجد أن نموها منذ العصور القديمة من آلاف السنين كان نمواً عضويا في أغلبه، بل وأن النمو الاستحواذي المفروض عليها الذي جاء نتيجة موجات الاحتلال المتعاقبة أدي إلى استيعاب سريع وملفت للنظر للحضارة الغازية في معظم الأحيان. احتل اليونان مصر فسكنوها وعاشوا فيها واندمجوا مع ثقافتها فولد فيها فيثاغورث وبعده بقرون بولس الرسول وتأسست فيها الكنيسة الأرثوذوكسية. احتلها العرب ووقع في غرامها عمرو بن العاص وذاب العرب فيها رغم ما قيل عن تعليمات عمر بن الخطاب بالبعد عن الاختلاط مع المصريين وطريقة حياتهم (تأسيس الفسطاط في الصحراء رغم أن عاصمة مصر كانت الإسكندرية في ذلك الوقت، لكن المعيشة في الدلتا كانت مختلفة عن صحراء الجزيرة).

هضمت مصر الحضارات الغازية وكأنها قامت باستحواذ عكسي! ثم يتحول المُستَحوِذ إلى مستَحوَذ عليه ويذوب في المنظومة وينخرط في منظومة النمو العضوي هو و نسله إلى أن يتلون الجميع بلونٍ واحد مع الوقت ويصبحون مصريين الهوى والانتماء.

ننتقل إلى بلاد الخليج، لنرى منظومة مختلفة. نرى نمواً استحواذياً هائلاً حدث بعد اكتشاف البترول وبداية عملية بناء هائلة. انتقل مع الوقت ملايين من البشر من شتى أصقاع الأرض ليبنوا مدناً بأكملها من الصفر، يبنون أعمالاً و مرافق وطرقاً ... الخ و تمر عشرات السنين ويأتي ويذهب ملايين من "الوافدين"، منهم من عاش عشرات السنين و وُلِد له أطفال وعاشوا سنوات عمرهم في منظومات فرعية مختلفة غريبة عن المنظومة الأصلية (المجتمع الخليجي). فتجد مجتمعا فرعيا .. هندي وآخر باكستاني وثالث مصري وربع فلبيني...الخ. منظومات لم يسمح لها بالاندماج مع المنظومة الأصلية أو المجتمع الخليجي.

كان هذا اختيارا اجتماعيا فرض نفسه، ربما بسبب الطبيعة الاجتماعية الصحراوية التي تخشى الغريب بسبب ندرة الموارد. المهم أن الواقع الذي فرض نفسه هو أنه لم يحدث دمج واندماج بين الموارد البشرية والثقافية القادمة من خلال الاستحواذ في المنظومة الأصلية بل ظل الوافد وافداً.

الدمج والاندماج يملآن بعض الثغرات في المنظومة الأصلية، فلا يتخيل أحد أن يقوم خليجي بأعمالٍ يدوية معينة، بينما تجد مجتمعاً مثل المجتمع المصري يقوم فيه المواطن بكل شيء بدءاً من نزح آبار الصرف الصحي إلى عمليات القلب المفتوح. هل ما حدث يعدّ خطأً؟ لا أظن، لكنه اختيار حر قام به مجتمع بأكمله بناء على موروثه الحضاري والتاريخي.
ترى شيئاً مماثلا يحدث في مجتمعات ليست بالخليجية، مثل الأردن ولبنان، حيث تجد أن بعض الأعمال لا يمارسها الأردني أو اللبناني ويستوردون لها عمالاً من مصر أو سوريا (البناء والزراعة وبعض الأعمال اليدوية). مرةً أخرى هذا هو اختيار حر يقوم به المجتمع بناء على موروثه الحضاري والتاريخي.

القصد من مقالي هذا هو رصد ظاهرة اجتماعية شيقة لفتت نظري وأردت مشاركتكم فيها، والأهم أنني أشعر بالسعادة لكوني أعيش في مجتمع يقوم فيه المواطن المصري بكل شيء بدءاً من نزح آبار الصرف الصحي الى عمليات القلب المفتوح، أو بمعنى أصح أننا نمتلك مقدراتنا كلها في أيدينا ونستطيع أن نحقق نجاحنا باستخدام نمونا العضوي وقدرتنا على ما أسميه الاستحواذ العكسي حيث تتحول مصر إلى معدة هاذلة تهضم القادم وتذيبه في جسدها ويصبح جزءاً من كل، يطير من الفرحة لفوز فريقه ولا يتذكر إن كان جده أرمينياً أو فلسطينياً أو سورياً، فالكل ذاب وانصهر في الكيان الكبير المسمى مصر.

مشاركات القراء