 الإبتكار .. والإنتصار !

اقرأ لهؤلاء

التكنولوجيا .. وثورة في العلاج الذاتي
لا شك أن التكنولوجيا الحديثة باتت تلعب دورا استراتجيا في تطوير الخدمات الصحية العالمية بصورة تشكل قفزات نوعية كبيرة بداية من الأبحاث المتعلقة بتطوير
	تكنولوجيا محاربة الفساد  .. وصبر الشعب
التعلم خطوة خطوة في ممارسة الديمقراطية هو أحد أهم مكتسبات الشعب المصري خلال السنوات الستة الماضية لاسيما بعد أن نجح
الشباب .. واستراتيجية قومية للإبداع
يدرك الجميع أن مصر واحدة من الدول التي وهبها الله قوة بشرية لا يستهان بها ، إذ إن 60 % من السكان في عمر الشباب أقل من 25 عاما
تحديد حقوق وواجبات الروبوتات
كما يقال، لا قيمة لشيء بدون إثبات وتوثيق ورقي، وفي خضم الضجة العالمية حول النتائج المحتملة لدخولنا ثورة صناعية من نوع جديد، يقودها
الأمن الفضائي .. والتنسيق العربي المطلوب " 1- 3 "
يشكل الأمن والاستقرار، وحماية حقوق الملكية الفكرية أحد أهم متطلبات عملية التنمية الاقتصادية وإقناع المستثمرين

أصدقاؤك يفضلون:

	الإبتكار .. والإنتصار !

 بقلم : د. غادة عامر
لقد سبق الرئيس المصري السابق أنور السادات عصره عندما أدرك أن قوة الجيوش والدول لا تكمن فقط فيما تمتلكه من أسلحه وأموال، وإنما بقدراتها علي استخدام وتوجيه التكنولوجيا الحديثة لدعم الابتكار لخدمة الأداء الوطني والعسكري، وأننا نعيش في عالم لا تتحدد فيه مقاييس الكفاءة والقوة والثراء بالمعايير السياسية والعسكرية والاقتصادية فحسب وإنما دخل معيار جديد وهو معيار العلم والمعرفة والبحث والابتكار، وأن الاستعداد التكنولوجي أصبح مكافئا للاستعداد القتالي، وأن البحث العلمي والتطوير التكنولوجي لابد أن يحظى بالتخطيط والتدريب والتقييم بنفس القدر الذي يناله النشاط العسكري المباشر، فأيقن أن النصر علي العدو قد رهن باستراتيجية جديدة للتعليم والبحث العلمى تتوافر لها آلياتها وأدواتها في شكل قاعدة تكنولوجية لا تقتصر على المعدات وإنما تنطلق من القدرة على إعادة بعث غريزة التفكير والبحث والابتكار لدى المواطن قبل الجندي!
وبالتالي لم يكن الجيش الذي واجه النكسة العسكرية في67 هو نفسه الذي انتصر في 73، حيث أعيد بناؤه في إطار فكر جديد ومبتكر، قائم علي استخدام كل التكنولوجيا الحديثة والموارد المتاحة والأهم العقول المصرية المبتكرة، في منظومة منسجمة لتحقيق النصر. لقد كانت الخطة العملية العسكرية لعبور القناة تتضمن أبحاثا عديدة في علوم كثيرة منها علم الفلك والظواهر الطبيعية (لدراسة حالة الجو والمد والجزر وحركة الرمال والقمر فوق القناة وسيناء طوال العام) لتحديد أنسب الأوقات للهجوم والقتال وكذلك العلوم الجيولوجية والعلوم الهندسية والتكنولوجية الحديثة.
لقد مارست القيادة العسكرية أثناء الإعداد للحرب فكرا تجريبيا خلاقا، يبحث عن الابتكار المصري من خلال العديد من التجارب، واعتمدت ليس فقط علي جهد العسكريين المصريين بل على فكرهم ومعارفهم وعلومهم وخبراتهم بالإضافة إلي جهد العشرات من عمالقة المهندسين في كل الجامعات المصرية. ومن أعظم الابتكارات التي تم استخدامها في حرب اكتوبر، لحل أحد المعضلات الكبرى في عملية اقتحام خط بارليف، هو كيفية فتح ثغرات في الرمال التي لا تؤثر فيها الصواريخ، لعبور ناقلات الجنود والمدرعات والدبابات إلى سيناء. وقد جاءت الفكرة العبقرية المصرية من اللواء أركان حرب المهندس باقي زكي يوسف، والذي أحضر التفاصيل الهندسية لخط بارليف عن طريق رفعت الجمال "الشهير برأفت الهجان"، و كانت الفكرة عبارة عن استخدام طلمبات السد العالي التوربينية لهدم الساتر الترابي لفتح ثغرات فيه لإرساء الكباري. وقد عقد إجتماعات مشتركة بينه وبين المهندسين العسكريين وممثلي القيادة العامة وأساتذة كليات الهندسة في الجامعات المصرية ، ليناقشوا الفكرة ويطورا أبحاثا دولية بهدف إيجاد معادلة جديدة تجيب عن السؤال الاتي: كل متر مكعب من التربة يحتاج كم من المياه لهدمة ، وكم يستغرق من الوقت لتحقيق ذلك؟ فأقاموا ساتراً مماثلاً علي مانع مائي يماثل مانع قناة السويس ، بجوار القناطر، وأجروا 322 تجربة عملية للتحقق من نجاح الفكرة. وبالرغم من أنه كانت كل الأبحاث العسكرية الدولية وحتى الخبراء الأمريكان والروس يؤكدون وحتى ما قبل 6 أكتوبر بأيام قليلة ، أن اقتحام الساتر الترابي لقناة السويس وإقامة كباري للعبورلابد أن تستغرق 48 ساعة لدي قوات تتمتع بأقصى كفاءة عسكرية، لكن العبقرية الهندسية المصرية إختصرت هذا الزمن إلي 5 ساعات فقط !!!!
وكانت فكرة الضابط إبراهيم محمد شكيب، بأن تقوم ضفادع بشرية بسد فتحات خزانات الوقود الموجودة على عمق 40 سنتيمترا من سطح القناة، بأسمنت لا يتحلل بالماء أو بعض اللدائن الأخرى، فكرة عبقرية غير مكلفة ولها تأثير كبير، و قد نفذت الفكرة وساهمت في تحقيق الانتصار.و ليس هذا فقط فقد ابتكر المهندسون المصريون أنواعاً من الكباري صناعة مصرية، تحملها لوريات نصر، وابتكروا ستائر عائمة لحماية الكباري من الألغام، وقاموا بإبتكار وصناعة مادة الفلين لكي تحتفظ الكباري بطفوها فوق سطح الماء، رغم ما يصيبها من قنابل طائرات العدو ومدفعياته، واستخدموا أنواعا من الصلب تحتمل الإجهاد العالي لم يسبق لأحدث الجيوش العالمية حتى اليوم استخدامها، و كذلك قاموا بصناعة وصلات للمزج بين انواع الكباري المختلفة، لقد ظهر التصنيع المصري العالي الجودة لمعدات العبور من القوارب ثم الكباري فالخراطيم اللازمة لإقامة الكباري، فمهمات المعاونة للقوات المترجلة، والمقطورات التي يدفها الجنود ،حتي أنهم صنعوا سترات خاصة يرتديها المقاتلون أثناء العبور، لقد بلغت نسبة الصناعة المحلية في هذه الملحمة العظيمة أكثر من 60 %، وكانت مفاجأة علي المستوي العسكري العالمي. و من الابتكارات العبقرية التي استخدمت وحيرت إسرائيل وأبهرت العالم، الشفرة التي استخدمها قادة الجيش المصري في حرب أكتوبر لإبلاغ التعليمات والأوامر للضباط والجنود في مواقع العمليات، حيث استخدموا لغة جديدة وغير موجودة في أي قاموس من قواميس العالم، فقد تم استخدام اللغة النوبية كشفرة، لأنها لغة يتحدث بها النوبيون لكنها لا تكتب. و كان صاحب الفكرة العبقرية البطل المجند أحمد إدريس. لقد احتوت فصول الحرب على مشاهد عظيمة من الأداء العسكري المبدع والمبتكر شكلت به إطارا جديدا للحرب التقليدية الحديثة ويرجع الفضل للعبقرية المصرية في أنها استوعبت خلال سنوات قليلة تكنولوجيا العصر ووظفتها في خطة عسكرية خلاقة حققت النصر العظيم على العدو . والذي دفع جولدا مائير- رئيسة وزراء إسرائيل - لأن ترسل إلى الولايات المتحدة في يوم 9 أكتوبر 73 رسالة تقول فيها نصا " أنقذوا إسرائيل".
وفي النهاية ما زالت حرب أكتوبر الملحمة الوطنية التي سجلها الشعب المصري بعبقرية بعدما اعتنق مبدأ دعم البحث العلمي واستخدام الابتكار المصري وتجديد الفكر والأداء العسكري، شاهدا علي قدرة شعوبنا الابتكارية اللا محدودة مهما حاول البعض زرع غير ذلك في عقولنا!

مشاركات القراء